الخميس، 20 مارس 2025

شهيد ...بقلم الكاتب ربيع دهام

 (شهيد / ربيع دهام)

أريكتك المفضّلة. كرسيك على المائدة. معطفك المعلّق فوق مشجب الأحلام. وجهُك الذي وددتُ لو أخرجتُه من زنازين الصور وغمرتُه، وظللتُ أغمره حتى تنضب من صدري الريح، ويجفُّ من عمري العمر.

صحنُك، تبغُك، فنجانُك. شبشبُك الذي يمشي على

فيفاء قلبي، فيهزّني من الداخل ويوجعني. ثم يمشي إلى جانب قدميّ المتعبتين فيسندني.

بدلتُك العسكريّة التي أعادوها إليّ من ساحة القتال، وعليها بقع من دمك. والرائحة... آه الرائحة.

الرائحة الأطيب والأشهى والأجمل على قلبي.

رائحة وجودِك. رائحة جسدِك. رائحة جلدك.

رائحة تعبك، وجهادك، وسهرك، وإرادتك، وصبرك، وشرفك وإيمانك.

أذكُرك...أذكُرك وأنت توزّع علينا الخبز وتراقب

صحوننا لتتأكّد أننا ملأناها بالطعام. وفقط بعد أن يأكل

الجميع تأكل.

وأذكرك كيف كنتَ تترصّد الحزن والخوف في قلوبنا، فتطلق علينا نكاتِك لتضحكنا، وإيمانك بالله لتطمئننا.

وأذكُر... أذكر فنجانك العتيق الذي ما كنتَ تتخلّى عنه

يوماً، وأصررتَ أن تبقى ترتشف منه الشاي.

الشاي الذي كنتَ تعشقه حد الإدمان.

يا وفيّاً حتى لفنجان شاي، أسألك، كيف لقلبي هذا أن ينساك؟

أقول لك حبيبي،

هنا...هنا باقٍ، حتى الفناء، فنجانك.

وهنا ... هنا بسطارُك العسكري، علّقته فوق باب المدخل علّ تسمع الدنيا وترى:

"هنا بيت الكرامة وهنا بيت الوفاء...وهنا، هنا بيت الحبيب الذي رحل وما رحل، واستشهد وما مات".

وهنا، هنا بيتك، وسيبقى بيتك، يا شهيد، يا مقاوم،

ويا سندي، يا ولدي. ويا بوصلة نبضي وخضراء افتخاري.

هنا حفنة من تراب أبتْ أن تفارق بسطارك. أقسمت ألا تفارق قدمَيك.

وهل ينسى الترابُ أصحابه؟

وهنا أريكتُك المفضّلة. وكرسيك على المائدة. ومعطفك المعلّق على مشجب الأحلام.

ووجهك الذي وددتُ لو أخرجته من زنازين الصور وغمرته.

وغمرته...وغمرته...وظللتُ أغمره حتى آخر العمر.

يا رجلاً أخرجُته ثائراً من رحمِ الشقاءِ، وأعددته رجلاً ينازل الشدائد ولا ينكسر، ارقد...ارقد هناك في السماءِ. وتدثّر...تدثّر بحضن الله وبدفئه.

حضن الله جميل. حضن الله فسيح. وحضن الله سرمدي.

ودعني...دعني أتدثّر  هنا بطلّة وجهك الذي لا يغيب،

وبنغمة صوتك التي، مثل أرض بلادي، تسقط ثم تنهض، وفي كل الأحوال تبقى، طفلةً تمردت وحدها على الظلام،  ولا يتعب الحلم فيها ولا يشيخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عذرا يا عيد ...بقلم الشاعر حبيب كعرود

 عـــــذرًا يا عـــيـــد يا عـــــــيــــــــد و يا كُــــلَّ الأعْــــيــــاد عــــــــــذرا لقـــد ألــغــيْـــنا الـمـــيعـــاد شغلتْـــن...